التاريخية في عملية استعرا ض وتحليل ومناقشة واستنتاج، ولنلتقط المواد القانونية في النظام الدولي في دائرة الأمم المتحدة؟
قد لا يكون مثل هذا الحديث هو حاجتنا الفعلية، مع كل التأكيد على القيمة السياسية الإعلامية لكل أبعاده وخطوطه، لكن المسألة هي أن كل المفردات الواقعية والتحليلية تحوّلت إلى عناصر استهلاكية أتعبت كل مراحلنا الماضية، وخدّرت إحساسنا بالواقع، وأدخلتنا في متاهات التنظير والتفسير. الأمر الذي يفرض علينا تجاوز ذلك كله للحديث عن المستقبل القريب أو البعيد للقضية.
فقد تكون المشكلة المعقّدة هي أن الاتجاه العام في الواقع العربي والدولي هو في وضع اللمسات الأخيرة على المشروع الذي يراد منه تصفية القضية الفلسطينية نهائياً، ليتفرغ العالم لقضايا أخرى من خلال المتغيرات السريعة التي تفرض نفسها على الأوضاع العامة في أكثر من موقع من مواقعه.
ولذلك فقد أصبح الحديث عن مفردات التحرير أقرب إلى الهزل منه إلى الجد، لأن إسرائيل ـ الدولة تحوّلت إلى حقيقة واقعية قانونية بالمستوى الذي تملك فيه من عناصر القوة والثبات السياسي ما لا تملكه أي دولة أخرى في المنطقة، فهي الحقيقة السياسية الثابتة، بينما نجد الحقائق السياسية الأخرى في المنطقة العربية تتعرض لأكثر من عملية اهتزاز على مستوى قضايا التجزئة أو التوحيد أو نحو ذلك، من خلال حركة اللعبة الدولية في التحالفات الاستراتيجية على صعيد موازين الضعف والقوة في المنطقة.
والسؤال الذي يبحث عن جواب يتصل بحاضر القضية الفلسطينية ومستقبلها:
ما هو حاضر القضية في مفرداتها السياسية من خلال طبيعة التحديات والتحديات المضادة، بالإضافة إلى نوعية وكمية الإمكانات العملية الواقعية لتحقيق الإيجابيات السياسية والأمنية للقضية؟
ثم.. ما هي التطلعات المستقبلية التي ينفتح عليها الامتداد الحركي في الزمن السياسي على مستوى الأنظمة والشعوب من أجل إعطاء القضية قوة دفع جديدة نحو فلسطين فلسطينية، أو عربية أو إسلامية على أنقاض "إسرائيل" اليهودية؟
خطان لمواجهة التحديات
في الجواب عن السؤال الأول، نلاحظ أن الواقع السياسي يتحرك في خطين:
الخط الأول: خط الرفض المطلق لكل تسوية مع العدوّ، على أساس الحق الوطني أو العربي أو الإسلامي، لينتهي إلى نتيجة سياسية حاسمة، وهي ضرورة الاستمرار في الجهاد الذي تتصدّر واجهته المقاومة الإسلامية في لبنان، والانتفاضة الفلسطينية الإسلامية في الضفة الغربية وغزة، باعتبارهما الوسيلتين الجهاديتين لمواجهة القوة الإٍسرائيلية، ولتحريك الواقع الشعبي العربي والإسلامي نحو حركةٍ جهادية شاملة في العمق الفكري والشعوري من أجل تجميع كل القوى حول هدف التحرير، لأنهما تؤكدان الواقعية العملية لرفض الخط الصهيوني من خلال إيقاع الهزيمة بموقع هنا أو بجنود للعدو أو لعملائه هناك.
ويقف الإسلاميون ـ وحدهم ـ في الساحة السياسية، ليجسّدوا هذا الرفض كخطٍّ سياسي لا يقبل المهادنة على أساس أنصاف الحلول من ناحية المبدأ، ليبقى للشعار دوره في تعبئة الأمة سياسياً وجهادياً، ولتتحرك الظروف من خلال ذلك على مدى الزمن في تحويل القضية إلى أمر واقع في خط النصر.
الخط الثاني: خط الواقعية السياسية، الخاضع لحركة المتغيرات على صعيد الأمر الواقع، في موازين القوة الجديدة على الصعيد الدولي، مما يؤدّي إلى تغيير الكثير من المعادلات المحلية والإقليمية، ويثير المزيد من الضغوط السياسية والأمنية والاقتصادية في ساحة القضايا المصيرية. وفي ضوء ذلك لا بد من تقديم التنازلات السياسية لمصلحة الحصول على أكبر قدر ممكن من المطالب الحيوية، باعتبار أن المعادلة الجديدة ـ في ضوء المتغيرات الدولية ـ هي أنك تقف بين أن تفقد كل شيء في سلبية موقفك من الضغط الدولي، وبين أن تحصل على بعض الأشياء من خلال المفاوضات.. وربما تؤدي المواقف السلبية إلى هزيمة ساحقة في تخطيط اللعبة الدولية تحت إشراف الأمم المتحدة، كما حدث للعراق.
لذلك ـ يؤكد هؤلاء ـ لا بد من مواجهة المسألة بعيداً عن حركة الشعار الغارق في ضباب المطلق.
وهذا هو منطق الأنظمة العربية، وتيارات التسوية الفلسطينية في قبولها بمبدأ المفاوضات مع العدو الصهيوني تحت الإشراف الأمريكي والروسي، باعتبار أن الحصول على شيء أفضل من عدم الحصول على أيّ شيء، وأن القضية سوف تكون في المنطق الدولي هي رغبة العرب في السلام، بينما تبدو إسرائيل في موقع الرافض للسلام، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن يربح العرب والفلسطينيون ثقة الرأي العالمي.
هذان هما الخطان اللذان يتنازعان الساحة السياسية في الواقع العربي والإسلامي.
وقد نلاحظ أن الجمهورية الإسلامية في إيران هي الوحيدة التي تلتزم الخط الأول، باعتبار القاعدة الشرعية المنفتحة على المصلحة الإسلامية العليا التي لا تبيح للمسلمين التنازل عن أيّ شبر من أرضهم للكافرين، وعن أيّ موقع من السلطة للمستكبرين. وهذا هو ما أكده الإمام الخميني(قده) الذي رأى في إسرائيل "غدة سرطانية" لا بد من القضاء عليها، وقاعدة استكبارية لا بد من أن تزول من الوجود، مما يجعل من موقف الرفض موقفاً مرتبطاً بالالتزام الديني الفردي أو الجماعي، للفرد المسلم وللقيادة المسلمة.
بينما تقف الدول الأخرى، من عربية أو إسلامية، موقف المستسلم للأمر الواقع، أو العامل من أجل التسوية الراغب فيها، أو الحائر أمام تعقيدات الموضوع، لأن الواقع الدولي وضع الجميع أمام الزاوية المغلقة التي لا يملكون أيّ فرصة بعيداً عنها، مما يجعل الطرح الرافض طرحاً متطرفاً لا يملك أي إمكانية لتحقيق مشروعه التحريري. ولعلّ هذا الاتجاه الضاغط هو الذي جعل خط التسوية هو الخط المتحرك في الساحة، بينما يقف الخط الرافض وحيداً في ساحة الجهاد من دون أن يكون له غطاء سياسي أو فاعلية سياسية، حتى أن حلفاء هذا الخط، أو السائرين معه في ساحة الجهاد لا يشاركونه امتدادات فكره في المرحلة البعيدة المدى، بل يقفون معه في حدود مرحلةٍ معينة ضاغطة لمصلحة التسوية لا لمصلحة التحرير الكامل.
وقد نلاحظ في حركة خط التسوية أن أصحابه لا يزالون يعيشون الإحباط من خلال اللعبة الإسرائيلية المستفيدة من فقدان الضغط الدولي عليها، ومن رعاية أمريكا لحساسياتها وإدارة حركة اللعبة في أكثر من موقع لحسابها، بينما لا يحصل العرب على شيء من ذلك، بل يقفون للاستماع إلى الوصايا الأمريكية، أن لا يعطوا "إسرائيل" الفرصة الذهبية لإلقاء تبعة فشل المفاوضات، أو إسقاطها على العرب.. فلا بد من الصبر عليها ريثما تستنفد كل عناصر لعبتها السياسية والأمنية، حسب هذا المنطق الأمريكي. وفي هذا الاتجاه نجد أن أمريكا تعمل على محاصرة الانتفاضة والمقاومة، ولا سيما المقاومة الإسلامية، باعتبارهما حركتين معاديتين للسلام، وتخويف الأنظمة العربية منهما باعتبارهما خطين متطرفين أصوليين يهددان الأمن السياسي العربي في المستقبل، مما يجعل من الإجهاز عليهما وإضعافهما حركة من أجل تحصين قضية السلام.
وهذا هو الذي لاحظناه من الصمت العربي والدولي أمام الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني والشعب اللبناني في جبل عامل وفي البقاع، بحيث شعرت إسرائيل بالحرية المطلقة في عدوانها الواسع بالرغم من بعض الأصوات التقليدية التي استهلكت الاحتجاج حفاظاً على الشكليات العربية من دون أن تحرّك ساكناً في مواجهة ذلك، أو في الوقوف مع الشعب المظلوم هنا وهناك بقوة، بالدرجة التي يشعر فيها المعتدون بالضغط العربي على المصالح الدولية في هذا الاتجاه.
وفي ضوء ذلك، نجد أنّ الاتجاه السياسي الأمريكي في هذه اللعبة العبثية الطويلة من المفاوضات يهدف إلى تطبيع الذهنية العربية والإسلامية بالمسألة الإسرائيلية كما لو كانت حالة طبيعية في المنطقة العربية، بحيث تكون القضية قضية التفاصيل لا قضية المبدأ لتدخل "إسرائيل" في واقع المنطقة، بعيداً عن كل التحفظات الشعبية، في عملية اندماج وتداخل في كل مفاصل الحياة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية.
وقد يمضي وقت طويل قبل أن تظهر النتائج النهائية للمفاوضات، ولكن الخطة المدروسة البعيدة المدى تتركز على إسقاط كل التحفظات العربية والإسلامية على الوجود الإسرائيلي في دائرة الشرعية السياسية، وذلك من خلال إثارة الكثير من المشاكل للرافضين للتسوية، وتوجيه الحسّ الوطني ضد الحسّ القومي والإسلامي، حتى تسقط "الإستراتيجية" العربية أو الإسلامية أمام السلامة الوطنية.
وهناك الكثيرون من المحلّلين السياسيين "الواقعيين" ومن الوعّاظ والمفتين الذين يعملون على إثارة التحليلات الغارقة في ضباب السلبية، وإصدار الفتاوى والمواعظ التي تحرّم الثورة والجهاد وترى في المقاومة إلقاء للنفس في التهلكة.
ولا يزال أمثال هؤلاء يستفيدون من الآلام التي يفرضها العدو الإسرائيلي على الناس المستضعفين من أجل تبرير كل أوضاع الهزيمة النفسية والميدانية.
ولا تزال التمزقات العربية والإسلامية والفلسطينية تفرض نفسها على الواقع، بحيث لا تجد هناك أيّ مشروع للتحرير حتى على مستوى التسوية، بينما يقف العدو وحلفاؤه من قوى الاستكبار العالمي في وحدة استكبارية من أجل تحقيق الأهداف الكبرى للصهيونية لاحقاً، كما عملوا على تحقيقها سابقاً.
كيف يمكن تفعيل المواجهة
وفي الجواب عن السؤال الثاني، قد نجد في الفكر الإسلامي القاعدة التي يمكن أن تبدأ معها رحلة العودة إلى فلسطين من نقطة الصفر في اتجاه المستقبل، وذلك من خلال تحويل القضية الفلسطينية إلى قضية ترتبط بالالتزام الديني، تماماً كما هي الواجبات والمحرمات في الفقه الإسلامي.
وذلك بالدعوة إلى تبسيط المسألة السياسية في المضمون الفقهي العملي، بعيداً عن الشعارات الفضفاضة التي يفقد فيها الإنسان وضوح الرؤية للأشياء في بُعدها الشعوري والعملي.
فإذا قدّمنا المسألة الإسرائيلية على أنها مسألة غصب للأرض وللسلطة، فإن المسألة تدخل في دائرة الحرام الشرعي، وهو"الغصب" الذي لا يمكن لأيّ مسلم أن يرفض حرمته من الناحية الدينية، تماماً كما هو الخمر الحرام أو القمار الحرام، أو نحو ذلك.
وإذا أدخلنا في وعي الإنسان المؤمن، أنها مسألة عدوان على الشعب الفلسطيني، وظلم لجميع أفراده، فإن من الطبيعي أن يتحول الاعتراف بـ"إسرائيل" إلى اعتراف بشرعية الظلم والعدوان والغصب، وهذا مما لا يقرّه الإسلام من قريب أو من بعيد.
وبذلك تأخذ المسألة السياسية مضمون المسألة الفقهية المتصلة بالواقع العملي اليومي للإنسان المسلم.
ثم لا بد من مواجهة العوامل الوطنية والقومية التي تغلق وعي الإنسان عن الاهتمام بالمسائل المتصلة بالجانب الإسلامي في النطاق الإنساني في شخصيته، حتى لا يكون استغراق الإنسان في خصوصياته الذاتية أو الوطنية أو القومية سبباً في إبعاده عن الشمولية الإسلامية الإنسانية، انطلاقاً من الحديث النبوي الشريف "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم".
إن المطلوب ـ في خط التوعية الإسلامية العامة ـ هو أن تنتقل القضية الفلسطينية إلى الجانب الفقهي الإسلامي في المسألة الثقافية والعملية، بحيث تتحول مفرداتها إلى مفردات دينية في الخطة التربوية، ليعيشها الأطفال في أناشيدهم، والشباب في التزامهم، والشيوخ في تقواهم الروحي والعملي وفي ابتهالاتهم الخاشعة أمام الله.
ولعلّ هذا هو الذي يمكن أن يحقق المزيج بين ما هو الديني الفقهي وبين ما هو السياسي العملي، لتختلط المفردات ببعضها في الواقع السلوكي وفي الالتزام الذاتي.. وهذا هو الذي تحرّك فيه الأٍسلوب القرآني الذي لم يتحدث عن الجهاد بلغةٍ سياسية تقليدية، بل تحدث عنه بلغةٍ دينية فقهية مرتبطة بالمصير الأخروي بالإضافة إلى المصير الدنيوي.
ولولا التخلّف الذي عاشه المسلمون في العصور المظلمة، وفي مراحل الضعف السياسي والثقافي والعسكري، في استبعادهم للجهاد ومفرداته، لكانت مسألة الجهاد في وعي الإنسان المسلم كما هي الصلاة والصوم والحج، ولكانت النظرة إلى الظلم والعدوان واغتصاب أرض المسلمين، تماماً كما هي النظرة إلى الخمر ولحم الخنزير والزنا وغصب المال الفردي.
إننا بحاجة إلى تغيير الأسلوب التربوي التثقيفي في المفردات الدينية المنفتحة على الواقع الداخلي والخارجي للإنسان.
وهناك نقطة أخرى، وهي التعبئة الروحية الفكرية بالعودة إلى القدس، كموقع إسلامي يحتضن كل الرسالات، وكامتداد للأرض الإسلامية بحيث تتحول إلى ما يشبه أرض الميعاد، وذلك من خلال المفردات القرآنية "المسجد الأقصى" "الأرض المقدسة" بحيث تكون القضية متصلة بالحسّ الشعوري الذي ينفتح على ما يشبه الحلم الذهبي في الهدف الكبير، ومرتبطة بالحركة الدينية في خطوات الإنسان على مستوى الممارسات والعلاقات العامة والخاصة.
ثم لا بد من الوعي الإسلامي للخط القرآني في الحذر أمام الكلمات الموحية بأن هذه الأرض المقدسة هي التي كتبها الله لبني إسرائيل مما قد يحاول البعض خداع الذهنية الإسلامية بالمقولة اليهودية عن الحق الإلهي لليهود بفلسطين، وذلك بالتركيز الفكري على أن القضية كانت تعيش في نطاق القوم الذين هاجروا من مصر فراراً من فرعون؛ فقد أريد لهم أن يعيشوا هناك لينسجموا مع الخط الرسالي الذي يمثله موسى(ع) في رسالة التوراة المشتملة على الهدى والنور الذي يحكم به النبيون، ولكنهم استكبروا وتمردوا وتركوا موسى(ع) وحده يواجه الموقف كله.
هذا من جهة.. ومن جهة أخرى، فإن عملية التعبئة لا بد من أن تتحرك في الخط الإسلامي العام على مستوى التقليد الوعظي، أو الوعظ التقليدي في الذهنية الإسلامية العامة على صعيد الثقافة المسجدية والشعبية، وفي الخط الإسلامي الحركي على مستوى واقع الحركات الإسلامية العاملة على أساس إعادة الإسلام إلى الحياة، وتحرير البلاد الإسلامية من قبضة المستكبرين والكافرين لتكون القضية الفلسطينية القضية الأولى في التخطيط السياسي والجهادي، على صعيد الأمة الإسلامية كلها، لما تمثله من مركزية إسلامية من جهة، ولما يمثله اليهود من خطر على مجمل الواقع الإسلامي في حركة الإسلامي والمسلمين من جهة أخرى.
ومن الطبيعي أن يتحرك الجهد لتوحيد الحركات الإسلامية في هذا الاتجاه، وإخراج القضية في خطابهم السياسي من مرحلة الشعار إلى مرحلة الواقع العملي المتحرك نحو الجهاد.
وقد يكون من البديهي أن نعمل على التحرك سياسياً واقتصادياً وثقافياً من أجل الاستفادة من كل عناصر القوة التي يملكها المسلمون، في علاقاتهم وتحالفاتهم ومواقعهم، للضغط على العدوّ من أجل إضعافه في كل خطواته العامة والخاصة.
ربما تكون الصورة قاتمة الآن، وقد نشعر بأن الواقع يحاصرنا من كل جهة، ولكننا نرى في حركة المقاومة الإسلامية في لبنان، والانتفاضة الإسلامية في فلسطين نقطتين مضيئتين تحملان لنا الكثير من الأمل المشرق بالمستقبل، وتجسّدان واقعية الهزيمة للعدو عندما تنمو قدراتنا وإمكاناتنا المستقبلية. وإذا كانت التهاويل الإعلامية السياسية تتحدى تطلعاتنا نحو النصر لتوحي إلينا بالكثير من روحية الهزيمة، فإن الوحي القرآني الذي يربط الحياة بالإيمان بالله، ويربط القوة بحركة هذا الإيمان بالعقل والقلب والشعور، وينفتح بالحركة على آفاق الفجر الإلهي المنطلق في خط حركة الإنسان من أجل الحرية أمام كل المستكبرين الذين يستعبدون الناس..
إن هذا الوحي يمنحنا الكثير من الصمود العقلي والروحي والشعوري والحركي..
إن القضية هي أن نواجه الحياة من قاعدة التخطيط، فنحرك التخطيط في اتجاه القوة، ونثير القوة في إطار الانفتاح على المستقبل من أجل أن نحقق رضى الله.
ولا بد من كلمة أخيرة في هذا المجال، وهي أن المفاوضات الدائرة الآن تحت رعاية الاستكبار العالمي قد تصل إلى هدفها من الصلح بين الأنظمة العربية وبين "إسرائيل" وقد يتحرك الصلح نحو إيجاد حالةٍ من التطبيع والانفتاح في واقع الشعوب العربية مع الشعب اليهودي، ولكننا ـ ونحن نعمل بما نستطيع من الجهد لإرباك هذا الاتجاه كله ـ لا بد لنا من أن نمنع الصلح في الواقع الشعبي على أساس إثارة الحس الديني في خط التقوى والالتزام من أجل توجيه المسلمين جميعاً إلى تحريم التعامل مع العدو بكل الوسائل التي تعمل على تقويته وحصوله على الشرعية العامة.. حتى نحاصره شعبياً إذا لم نستطع محاصرته رسمياً.. كوسيلة من وسائل الجهاد على مستوى المقاطعة الاقتصادية والثقافية والسياسية الشعبية..
هذه أفكار سريعة لا بد لنا من التوفر على دراستها للتخطيط للمستقبل الذي يحوّلها إلى خطوات عملية لنتابع معها وبعدها المزيد من الأفكار المستقبلية التي تجعلنا نشرف على الأفق الواسع للمستقبل إذا ضاقت بنا آفاق الحاضر {ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز}، {وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون}.